الله عز وجل ستير يحب الستر، ويستر عباده في الدنيا والآخرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يدنو أحدكم من ربه فيقول أعملت كذا وكذا؟ فيقول نعم ويقول عملت كذا وكذا يقول نعم فيقرره ثم يقول إني سترت عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فيغفر الله له الذنوب» البخاري.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله حيى ستير يحب الحياء والستر» أبو داود والنسائي.
والستر صفة الأنبياء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن موسى كان حييا ستيرا لا يرى من جلده شيء إستحياءا منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا ما يستتر هذا التستر إلا من عيب جلده فبرأه الله» البخاري.
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها} [الأحزاب:69]، وقال تعالى: {وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنه} [لقمان:20].
قال الضحاك: النعم الظاهرة هي الإسلام والقرآن، أما الباطنة، فهي ما يستر من العيوب.
وقلنا: إن من أسمائه سبحانه الستير والغفور، والغفار والعفو، ولا تقل يارب يا ساتر، فالله عز وجل ليس ساترا، أي حاجزا، ولكن قل: يارب يا ستار، أو يا ستير، فالله غافر وغفور يستر.
أما اسم العفو فهو أعلى من الغفور والستير، لأن العفو معناه محو الذنب فلا تجد ذنوبك قد محيت بأمر الله لهذا، نسأل الله العفو في كل وقت، ويزداد طلب العفو في العشر الأواخر من رمضان حيث يكون الإنسان في قمة العبودية صيام نهار، وقيام ليل، وتهجد واعتكاف.
يقول ابن بطال المالكي: من أسماء الله ما يجب عليك أن تمرن نفسك على أن تتصف بها رحيم، ستير، كريم.
ومنها: ما كان فيه معنى الوعيد، فيقف منه عند الخشية والرهبة، ومنها: ما كان فيه معنى الوعد، فيقف فيه عند الطمع والرغبة.
[] أنواع الســتر:
* ستر العورات: المؤمن يستر عورته ولا يكشفها لأحد، لا يحل له أن يراها، قال تعالى: {والذين هم لفروجهم حافظون*إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين} [المؤمنون:5-6].
وهؤلاء وصفهم الله أنهم هم المفلحون: {قد أفلح المؤمنون} وهذه من صفاتهم أنهم يحفظون فروجهم، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عوراتنا ما نأتي منها وما نذر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إحفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك» فقال الرجل: إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن إستطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها»، قال السائل: إذا كان أحدنا خاليا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الله أحق أن يستحيا منه من الناس» أبو داود والترمذي وابن ماجة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة».
* ستر عورات الناس: «من كشف عورة أخيه كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته» رواه ابن ماجة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» البخاري، وجاء رجل إسمه هزال بماعز الأسلمي ليقام عليه الحد في الزنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: «لو سترته بثوبك كان خيرا لك» المنذرى وصححه الألباني 7790، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أقيلوا ذوى العثرات عثراتهم» رواه أبو داود والنسائي.
عقبة بن عامر كان له كاتب وكان جيران هذا الكاتب يشربون الخمر، فقال يوما لعقبة إن لي جيرانا يشربون الخمر، وسأبلغ عنهم الشرطة ليأخذوهم، فقال له عقبة: لا تفعل وعظهم، فقال الكاتب: نهيتهم فلم ينتهوا والشرطة عقابهم، فقال عقبة: ويحك لا تفعل فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موءدة» رواه أبو داود.
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه كان جالسا بين مجموعة من أصحابه منهم جرير بن عبد الله البجلى، فأخرج أحد الجالسين صوتا، فأراد عمر أن يأمره ليقوم فيتوضأ، فقال جرير: أنتوضأ جميعا؟ فسر عمر بمقالته، وقال: رحمك الله يا جرير، نعم السيد كنت في الجاهلية، ونعم السيد أنت في الإسلام، قال عنه عمر: جرير هو يوسف هذه الأمة لجماله وجهه رضي الله عنه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم قبل دخوله عليه: «إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه».
وقال عبد الرحمن بن عوف: خرجت مع عمر ليلا فبينما نحن نمشى إذ ظهر لنا سراج، فانطلقنا نقصده فلما دنونا منه إذا باب مغلق على قوم لهم لغط وأصوات فأخذ عمر بيدي، وقال: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف وهم يشربون الخمر، فماذا ترى؟ قال بن عوف: أرى أن نرجع، فالله عز وجل يقول: {ولا تجسسوا} فرجع عمر وتركهم.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاوية: «إنك إن إتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم» صححه الألباني صحيح الجامع 2295، فلا تفضح الناس وإستر عليهم يستر الله عليك دنيا وآخرة.
والناس نوعان: الأول:ذوى الهيئات، أو بيوت محترمة، وأناس محترمون، والنوع الثاني: أناس فاسقون فجرة.
الرجل المحترم والسيدة المحترمة العفيفة لو بدر منها أو منه خطأ فإستر ولا تفضح: لا تكن عونا للشيطان على أخيك، أو أختك، قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: رأيت فلانا يزنى بفلانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هلا سترته بثوبك».
بنت تفعل معصية أو رأيتها في وضع لا يليق أو شاب رأيته يدخن أو حتى لا السجائر فقط، بل بانجو لا تفضحه أو تبلغ عنه الشرطة، فهذا شاب في مقتبل العمر وهو أخطأ لكن أنصحه أو أرسل إليه إبنك إن كان عاقلا ملتزما لينصحه.
وكذا البنت لا تفضحها إستر وإنصح، بل وأدلك على ما هو أفضل من الستر أن تدعو له وأن تدعو لها بالغيب: اللهم إستره، اللهم إسترها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال له الملك ولك بمثل» مسلم.
أما النوع الثاني:الفاسق الفاجر، فإياك أن تستر عليه، بل إفضحه، وأعلن الناس ما فعل، وإن إستطعت أن تبلغ عنه فافعل، لأن سترك عليه يجعله يتمادى في الفسق والفجور والعصيان.
* ستر الصدقات: قال تعالى: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولاهم يحزنون} [البقرة:274].
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صدقة السر تطفئ غضب الرب» قال الألباني صحيح بمجموع طرقه وشواهده.
ويجوز أن تعلن الصدقة في حالتين: الأولى: لو تريد أن تحفز بخيلا بجوارك، فتعطى علنا لعله يتعظ، وقد تكون أقل مالا منه. أو أن تعلم ولدك مثلا فتتصدق علنا أمامه ليتعود على الصدقة.
* ستر الرؤيا السيئة: إذا رأى المؤمن في نومه رؤيا حسنة فليستبشر بها، وليعلم أنها من الله، وليذكرها لمن أحب من إخوانه الصالحين، أما إذا رأى رؤيا سيئة فليتفل عن يساره ثلاث مرات، ويتعوذ بالله من شر هذه الرؤيا، ولا يذكرها لأحد وليعلم أنها من الشيطان ولا تضره.
* ستر أسرار الزوجية: فالمسلم يستر ما يدور بينه وبين أهله فلا يتحدث به أمرنا الإسلام بذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضى إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها» رواه مسلم وأبو داود.
[] شروط الستر:
ـ والستر مرهون برد المظالم رأيت أحدا يسرق، فهذا لا يستر عليه، بل لابد من أن يرجع الحق لصاحبه أولا ويتوب.
ـ ألا يكون الستر وسيلة لإذلال المستور وإستغلاله وتعييره بذنبه.
ـ أن يكون الستر وسيلة لإصلاح المستور فيرجع ويتوب، أما إذا كان فاجرا، فهذا لا يجب ستره.
ـ المعصية إذا كانت لا تتعلق بأحد أو تضر أخر، فهاهنا يجب التنبيه على تلك المعصية لإزالة ما يحدث من ضرر.
ـ إذا أراد أن يستر فلابد من أن يكون الستر أثناء فعل المعصية وبعدها وألا يتحدث للناس: أن فلانا يرتكب المعاصي.
¤ أخيرا: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول يا فلان قد عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه» رواه البخاري.
إلى هؤلاء الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، إعلموا أن لكم عذاب اليم في الدنيا والآخرة.
مجلات تنشر صور العاريات، وأخبار النجوم، والراقصات والمغنيات.
صور بعيدة كل البعد عن الستر والعفة والحياء والحشمة.
وقنوات فضائية ليل نهار وتمثيليات وأفلام ومسرحيات تدعو جميعها إلى السفور والفجور إلا ما ندر.
ومن يترك ابنته تخرج من البيت بملابس ضيقة تجسم، وأخرى تلبس ما تشف.
وامرأة كل كلامها فضح لأسرار الناس هذه قالت، وهذه فعلت، وهذه لبست.
وامرأة تصف وضعها مع زوجها بلا حياء وستر فكأن الأخرى ترى زوجها من شدة ودقة الوصف.
وشاب يجلس مع صحبة السوء يقص عليهم ما فعله بالأمس، وقد بات يستره ربه فيصبح يكشف ستر الله عنه.
نحن إخوتي في الله ندعو الله عز وجل، كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسألوا الله فقولوا: اللهم إستر عوراتنا وآمن روعاتنا». اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا.
الكاتب: عاطف شمس.
المصدر: موقع المختار الإسلامي.